بسم الله الرحمن الرحيم
لماذاخلقاللهالشرَّ ..؟!
فريق من الناس يسأل استرشاداً .. وفريق يسأل فتنة وتشكيكاً: لماذاخلقالله الشرَّ ..؟
ولهؤلاء وأولئك نقول: خلق الله تعالى الشرَّ لحكَمٍ جليلة عديدة،نعرف بعضها، ونجهل أكثرها
وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (.
من تلك الحِكَم: أن الله تعالىربُّ العالمين .. ومن كمال الربوبية وشموليتها ..
أن يكون الربُّ رباً لكلِّ شيء .. وخالقاً لكل شيء .. للخير والشرِّ معاً
ومنها: لكي تظهر قدرته لخلقه .. وأن اللهتعالى قادر على أن يخلق الشيء وضده ..
وأنه هو المتفرد بذلك .. فكما أن الله تعالىقادر على أن يخلق الخير وعلى تصريفه كيفما يشاء
وحيث يشاء .. فهو قادر على أن يخلقالشروعلىتصريفه كيفما يشاءوحيث يشاء ..
بلا ممانع ولا منازع .. وكما أن الله تعالى قادر علىأن يخلق الحياة من لا شيء ..
فهو سبحانه قادر على أن يخلق الموت وأسبابه ..
ومنها: أن الدنيا دار عملٍ، واختبارٍ وبلاء .. وهذا من لوازمه أنيخلق الله تعالى الخير والشر،
كما قال تعالىوَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّوَالْخَيْرِ فِتْنَةً
ومنها: أن المخلوق يحتاج لمنيجلب له الخير، ويدفع عنه الشر ..
فلا يستقيم شرعاً ولا عقلاً أن يجد الأولى عندخالقه .. والأخرى عند غيره ..
تعالى الله عن ذلك علواًكبيراً
ومنها: أن الخير يُعرف بضده .. وأن الحقّ يُعرف بضده؛ فنعمة الخيرتُعرف بشرِّ فقدانها ..
والحق يُعرف قدره بمعرفة ضده من الباطل ..
كيف تعرف نعمة التوحيد وفضله عليك .. وأنت تجهل الشرك ..
وما يُجلبهمن شرور وأضرارٍ على صاحبه في الدنيا والآخرة ؟
كيف تعرف نعمة الصحة .. وأنت لاتعرف المرض .. ولم تجربه ..؟
كيف تعرف نعمة الشبع .. وأنت لا تعرف الجوع .. ولم تجربه ..؟
كيف تعرف نعمة الغنى .. وأنت لا تعرف الحاجةولا الفقر .. ولم تجربه ..؟
كيف تعرف نعمة الوصل .. والعيش مع الأهلوالأحبة .. وأنت لا تعرف شر وفتنة وآلام الفراق ..؟
كيف تعرف نعمة العلم .. وأنتتجهل الجهل وآثاره ..
وهكذا كل شيءٍ فإنه لكي يُعرف على حقيقته لا بد أن يُعرفضده
ومنها: أن الشرَّ سببٌ للموت .. والإنسان لا بد له من الموت ..
ومنها: أن الله تعالى يُعبد في السراء والضراء .. ويُحب أن يُعبد فيالضراء كما يُعبد في السرَّاء
.. وهذا من لوازمه وجود السراء والضراء .. والخيروالشر
ومنها: أن من مقتضيات ولوازم أسماء الله تعالى وصفاته .. وجود الخيروالشر ..
فالله تعالى هو الغني الرزاق .. وهذا من مقتضياته ولوازمه وجود الفقيرالمحتاج
الذي يسأل الله تعالى الغنى والرزق .. فيعطيه
والله تعالى غفور رحيم .. وهذا من لوازمه ومقتضياته وجود الشروالإثم ..
الذي يحمل صاحبه على طلب الرحمة والمغفرة من ربه .. فيغفر لهويرحمه
والله تعالى المنتقم الجبار .. وهذا من لوازمه ومقتضاه .. وجودالظالمين .. الذين ينتقم الله منهم ..
وهكذا كل اسم من أسماء الله تعالى تجد أن لهمقتضيات في خلقه .. لا بد من ظهورها ووجودها
ومنها: أن العبد لا يعرف فضلالله عليه .. إلا عندما يرى غيره مبتلاً بفقد ما منَّ الله به عليه ..
فيجد نفسهمشدوداً للقول: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاه به غيري ، وفضلني على كثير من خلقهتفضيلاً ..
ومنها: أن الخير الصرف يُطغي صاحبه ويُنسيه أن له رباً يُعبد ..
كماقال تعالىكَلَّا إِنَّالْإِنْسَانَ لَيَطْغَى . أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (.
فيأتي الشر ليُذكره .. ويضطرهلأن يقول: يا رب اغفر لي .. يا رب ارحمني ..
يا رب عافني واعف عني ..!
فالشرُّ في الغالب يأتي بالعبد ليقف بين يدي ربه منكسراً ضارعاًمتذللاً .. خائفاً .. باكياً
يسأله العفو والمغفرة .. وهذا مطلب شرعي يُحبه الله .. بخلاف الخير .. وفعل الخير
فإنه ـ في كثير من الأحيان ـ يحمل صاحبه على الغرور .. والأمن والرجاء .. إلا من رحم الله!
ومنها: ليندفع به شرٌّ أكبر .. فكم من شرٍّيُبتلى به المرء ليندفع به شرٌ أكبر وهو لا يدري ..
كخرق الخضر للسفينة .. وقتلهللغلام .. وما أكثر الأمثلة والشواهد على ذلك من حياتنا اليومية
لو أردنا التوسعوالاستدلال. كم من مرة نُبتلى بشرٍّ .. نسخطه .. ثم ندرك بعد زمن يشاؤه الله
.. أن هذا الشرَّ كان فيه خيراً كثيراً ..
ومنها: أن الشر يؤدب بعضه بعضاً .. فينتقمالله من شرٍّ بشرٍّ آخر .. فيسلط الظالمين بعضهم على بعض .. وهذا هو المراد من بالقول:" إن الله لينصر هذا الدين بالرجل الفاجر، وبأقوامٍ لا خلاق لهم ".
فيدفع اللهبهم ظلماً أشد .. وفجوراً أكبر
ونحو ذلك الجهاد .. فيندفع بشر القتل والقتال .. شراً أكبر، وفتنة أكبر .. ليعم الأمن والأمان .. والخير والسلام
ومنها: أن من النفوس من لا ينفع معها الخير .. فالخير يزيدهاطغياناً وتجبراً ..
بخلاف لو جُرب معها الشرِّ فإنه يهذبها ويؤدبها ويُعيدها إلىرشدها وصوابها ..
كما في القصاص بالنسبة للمجرمين الخارجين عن حدود الله ..
ومنها: أن من مقتضيات البلاء والتمحيص .. وحتى يُعرف الحق من الباطل .. والمؤمن الصابر من غيره .. وجود الخير والشرّ .. والبلاء بالخير والشرّ ..
فهل يرضى العبد بحكم الله تعالى وقضائه في الشر .. كم يرضى بحكمه فيالخير ..
أم أنه إذا أصابته سرّاء رضي وشكر .. وإن أصابته ضراء كفر وتضجّر .. واعترض؟!
فمن النفوس من تنجح في بلاء الخير دون الشر .. ومنها من تنجح فيبلاء الشر دون الخير ..
والنفوس المؤمنة الصالحة هي التي تنجح في بلاء الخيروالشرِّ .. وترضى وتسلم في بلاء الخير والشر .. وهؤلاء هم الفائزون!
ومنها: ليقذف الله الحق بالباطل فيدمغه .. وليصطفي الله من عبادهالشهداء ..
فالشر في كثير من صوره يكون بلاءً لأهل الخير .. ليُرى كيف سيتصرفونويتعاملون معه ..!
ومنها: أن الشرّ في بعض صوره يكون لصاحبهطهوراً وكفارة لذنوبه وخطاياه ..!
ومنها: أن معالجة الشر .. والصبر عليه .. احتساب الأجر .. يرفع صاحبه يوم القيامة درجات
ومقامات عالية في الجنان ما كانليحظى بها لولا البلاء .. وصبره على البلاء ..!
ومنها: أن الله تعالى خلق الجنةوالنار .. وهذا من تمام عدله وحكمته .. ومن لوازم وجودالجنة والنار .. وجود الخير والشر .. والحق والباطل .. والظالم والمظلوم ..
ليذهبكل فريق إلى ما أُعد له من نعيم مقيم أو عذاب أليم مهين ..
هذه بعض الحكم من خلق الله تعالى للشر .. وما يعلمه الله تعالى .. ونحن لا نعلمه .. أكثر وأكثر
.. ) وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً (. ) وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاتَعْلَ[/b]مُونَ (.